بعد خمس سنوات من الصراع، كيف تغيرت التجارة اليمنية ؟

ساهمت الفوضي السياسية التي عقُبت الانقلاب على السلطة في مطلع العام 2014م بشكل كبير على ثقة المستثمرين والتجار في اليمن ادى ذلك الى صنع إضطرابات في الميزان التجاري ساهمت بدورها في زيادة حجم حصة المضاربين في العملة و وإضعاف قيمة الريال اليمني. حافظت اليمن خلال العقدين الماضيين على مستوى منخفض في حجم العجز التجاري حيث حققت متوسط عجز تجاري بواقع مليار دولار فقط سنوياً في العقد الاول (1998م – 2008م) وفي العام 2000م حققت اليمن فائض تجاري بواقع مليار دولار ومن ثم ارتفع متوسط العجز التجاري في العقد الثاني (2008م- 2013م) الى 2 مليار دولار سنوياً ولكن ما وصل اليه العجز التجاري اليوم يشكل خطراً كبيراً على اداء وسيادة الاقتصاد اليمني لسنوات قادمة حيث وصل العجز التجاري في 2016م و 2017م الى 6 مليار و 5 مليار دولار على التوالي.

يرتبط العجز التجاري ارتباط مباشر بكلاً من قيمة العملة و مستوى العمالة او البطالة. فعند ارتفاع مستويات العجز التجاري تنخفض معاه -بنسب متفاوتة- قيمة العملة الوطنية وذلك لعدة اسباب منها: زيادة الطلب في شراء العملات الاجنبية لإستيراد السلع والخدمات مما يضطر البنك المركزي الى تسييل كميات من مخزونة الاحتياطي من العملة الصعبة لتغطية الاحتياج ومحاولة الحفاظ على استقرار العملة ولكن مع استمرار التدفق يؤدي انخفاض المخزون الاحتياطي الى تدهور متسارع وفي حالات اخطر انعدام ثقة في القيمة الفعلية للعملة. يؤثر الميزان التجاري ايضاً على مستوى العمالة والبطالة في اليمن فإرتفاع مستويات العجز التجاري تصاحبها نتائج سلبية متوقعة في سوق العمالة حيث ترتفع نسبة الاعتماد على السلع المستوردة وينخفض حجم التصنيع والانتاج المحلي. شهدت اليمن خلال فترة النزاع انخفاض حاد في قيمة الريال اليمني وكان للعجز التجاري اسهام كبير في ذلك التدهور ورغم المحاولات المستمرة في تقليص حجم الواردات الا ان المستويات المنخفضة التي وصلت لها حجم الصادرات جعلت من محاولة خلق توازن اقرب الى المستحيل.

لم تمر اشهر معدودة بعد سحب الدول سفاراتها من اليمن حتى ظهرت الصعوبات والمعوقات التجارية بدءاً بصعوبة السفر والتنقل للتجار اليمنيين الى تلك الدول وصعوبة زيارة المهندسيين والفنيين والشركاء الاجانب الى اليمن، وانتهاءاً بتعميد وتوثيق المستندات الخاصة بشحنات التصدير من اليمن الى الخارج. في العام 2015م انخفض عدد الشركاء التجاريين لليمن الى 128 فقط من 143 دولة في عام 2014م وتفاوتت خلال سنوات النزاع (2014م-2017م) حصة الدول من التجارة اليمنية حيث استوردت دول اسيا (الصين و تايلاند وجنوب كوريا) الحجم الاكبر من صادرات اليمن في العامين 2014م و 2015م وتغير ذلك تماماً في الاعوام التالية حيث استوردت كلاً من سلطنة عمان والامارات الحصة الاكبر من صادرات اليمن بعد الصين بنسب 32٪ و 33٪ على التوالي. وقدرت قيمة الصادرات اليمنية الى كلاً من السلطنة والامارات في العام 2016 بـ 287 مليون دولار و 296 مليون دولار على التوالي وارتفعت بمقدار الضعف في العام 2017م.

على الرغم من التدهور الحاد في الميزان التجاري اليمني الا ان تأثيراته في قيمة الريال لم تكن بالمستويات المتوقعة، مع سقوط حجم الصادرات اليمنية الى اقل من نصف مليار دولار في العام 2015م عن 7 مليار دولار في عام 2013م كانت التوقعات بأن الريال اليمني سينهار الى مستويات منخفضة جداً قد تصل الى 8 اضعاف الّا ان اسباب حالت دون ذلك وساهمت في خلق توازن في الميزان التجاري عبر تخفيض حجم الواردات بمعدلات تصل الى النصف ففي العام الذي سقطت فيه الصادرات اليمنية الى ادنى مستوياتها انخفضت الواردات من 13 مليار في 2013م الى 6.5 مليار في العام 2015م محققةً عجز تجاري 6 مليار دولار عوضاً عن 11 مليار دولار لو استمرت الواردات كما كانت عليه في الاعوام السابقة. الاسباب التي ساهمت في كبح الواردات -على الرغم من سرعة تجاوبها – كانت ـوبشكل عجيب- غير مخطط لها. على سبيل المثال ساهم الحصار العسكري في زعزعة عمليات النقل البحري للمنتجات المستوردة الى اليمن كما ساهم المناخ السياسي المضطرب لليمن في تثبيط التجار اليمنيين وتقليص استيرادهم للسلع. اضافةً الى ذلك، نتيجةَ لتزايد عدد النازحيين الى خارج اليمن وانخفاض المرتبات او انعدامها انخفض معدل الاستهلاك المحلي للسلع المستوردة كـ الالكترونيات والمركبات وغيرها من السلع الغير اساسية (الرفاهية) مما ساهم في كبح حجم الواردات الى اليمن.

تستمر ازمة تدهور قيمة الريال اليمني تأرق الوسط اليمني والحكومة اليمنية والدول التي تسعى لإيجاد حل للأزمة الانسانية في اليمن لذلك قد تكون احد أهم اولويات الحكومة اليمنية ممثلة بالبنك المركزي ووزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة بتكريس جهود استثنائية في دراسة الاقتصاد التجاري لليمن في ضل الصراع ورسم الخطط التي من شأنها تقريب الفجوة بين قيمة الصادرات والواردات والحفاظ على عجز تجاري قريب من 2 الى 3 مليار دولار في السنوات الـ 3 القادمة في حال استمرار الصراع.

Leave a comment

Up ↑